تاجر الكرز
انت في الصفحة 2 من صفحتين
دينار وجواهر فما بكيت واحتسبته عند الله. وأنا الآن أبكي من أجل فلسين. فلا يغتر أحد بالغنى ولا يهزأ أحد بالفقر. فربما افتقر الغني وأثرى الفقير.
قال صف لي زنارك.
فقال له يا رجل أتركني وحالي. أتسخر مني وأنت ترى ما أنا فيه من الفقر والآلام والقيام في المطر
ومشى وهو يتجه بقلبه إلى الله وحده يرجو منه الڤرج. وشعر التاجر بقوة خفية تدفعه ليلحق بالرجل فركض وراءه وقال له قف فحسبه سيعطيه شيئا فوقف. فلما وصل إليه قال له صف لي زنارك. فوصف له. فعرفه أنه ذاته الخراساني الذي كان يتعامل معه. فسأله أين امرأتك فأخبره عن مكانها في الفندق. فبعث من جاء بها وأدخلها إلى أهله وأحضر لها القابلة وعني بها وأدخل الرجل الحمام وبدل ملابسه.
فقال كنت في نعمة واسعة ومال كثير. وكنت أحج كل سنة وأجيء بتجارة عظيمة أعود بها بأرباح طائلة. فجاء لي أمير بلدي في إحدى السنين وقال إنك معروف بالأمانة وأعهد إليك بأمر لا يقوم به غيرك. عندي قطعة ياقوت لا مثيل لها وليس هناك من يشتريها أو يعرف قدرها ولا تصلح إلا للخليفة فخذها معك فبعها لي في بغداد . جعلتها في زنار صفته كذا وكذا وجعلت معها ألف دينار وربطته في وسطي. فلما جئت بغداد نزلت أسبح في الجزيرة عند سوق يحيى وتركت الزنار مع ثيابي بحيث أراهما. فلما صعدت وقد غربت الشمس لبست ثيابي ونسيت الزنار ولم أتذكره إلا في اليوم التالي فذهبت لأحضره فلم أجده وكأن الأرض ابتلعته. فهونت المصېبة على نفسي وقلت أنا رجل غني ولعل قيمة الحجر خمسة آلاف دينار أؤديها من مالي.
بعت أملاكي وتجارتي وأثاث بيتي ولم
أتخلص منه. ثم قبض علي وأنزل بي صنوف المكاره وحبسني سبع سنين كل يوم منها بسنة حتى تمنيت المۏت. ثم تشفع بي آهل بلدي فأطلقني. فصرت أرحل مع القوافل أنا وزوجتي أسأل الناس بعد الغنى واليسر. فلما كانت الليلة أتاها الوضع في خان خرب وما معي إلا فلسان وما معنا أحد فقالت يا رجل الساعة تخرج روحي فاذهب وهيئ لي شيئا أتقوى به. فخرجت ووجدت بقالا عطف علي ففتح دكانه وأعطاني ما كان في الصحن.
قال لا.
فقال التاجر أنا عميلك الذي كان يبيع تجارتك.
فنظر إليه ووثب يعانقه ويشكر له فضله.
قال لا تشكرني. فأنا الذي يجب أن أشكرك. فقد أحياني الله بسببك. وسيحييك بسببي وما أعطيتك من الدنانير ليس من مالي بل من مالك فإن لك عندي ألف دينار.
قال ومن أين جاء ذلك الدين
قال إني وجدت زنارك بعينه. وجاء بكيس فيه ألف دينار.
فرح الرجل وبرقت عيناه وسأل هل الزنار نفسه عندك
قال نعم.
فشهق شهقة بدا كأن روحه خرجت معها وخر ساجدا لله ثم رفع رأسه وقال هاته. فجاءه به وطلب سکينا. فأعطاه السکين. فخرق جلد الزنار واستخرج منه حجر ياقوت أحمر شعاعه قوي جدا وترك الدنانير ومشى وهو يدعو لي.
فحلف ألا يأخذ منها شيئا إلا ثمن ناقة ونفقات السفر. فألح عليه التاجر فأخذ ثلاثمائة دينار وسامحه بالباقي.
وفي السنة التالية جاء على عادته وقد أعاد الحجر إلى الأمير واستعان عليه بوجوه البلد فخجل ورد إليه ماله كله وعوضه وعاش الجميع بالمسرات. وكان ذلك بفضل الصدق في المعاملة والإخلاص في الدعاء وصحة التوجه إلى الله عند الشدائد.